ربيع دويكات :
تمتلئ أوطاننا بتناقضاتها المتضاربة بكل ما فيها من رؤى تمزق الوحدة، وتجني على المظلوم. ففي بعض تجلياتها تبرئ المعتدي وتحمل مسؤولية دماره على الضحية مع سبق الإصرار، وذات الرؤى تصدر عن أفواه مهمة ومفكرة، ولكن تفكيرها ساذج قامع مرتشي يتلقى المال للحديث وللتأثير على الجماهير وتأنيب المعاني، ورص المفردات الباذخة، بالإضافة إلى علاقاتها غير الموضوعية مع أطراف لا نعرفها، فحبيب الأمس أصبح زنديق اليوم، وعدوا الزمن أضحى صديقا وشريكا لينعكس أساس المبادئ دون سابق إنذار.
تناقض مواقف؛ تناقضاتنا الوطنية الكثيرة تحوي كثيرا من الارتجاجات الفكرية والفلسفات الهابطة. ففي بداية انتفاضة الأقصى وبرغم ما قست على شعبنا الفلسطيني بشهداء وجرحى، فقد سميت مباركة، وعندما بدأت العمليات الاستشهادية في "الوطن المحتل عام 1948"، قال الحفاة بان انتفاضتنا، لا بد أن لا تكون بهذه القسوة على عدونا الذي أكل وشرب من دمائنا ولم يرتوي إلى الآن. ولا بد لها بأن تكون مقاومتنا سلمية. وفي الانتفاضة عينها ضربت إسرائيل المدن الفلسطينية بقوة، وهدمت ما استطاعت أن تهدمه، فكانت المقاومة ثورة على الظلم والقمع.. ولم يحمل الشعب الفلسطيني على الرئيس الراحل ياسر عرفات - رحمه الله – والاستشهاديين مسؤولية ما آلت إليه قذائف الدبابات، وصواريخها، من تدمير للضفة والقطاع.
بالأمس في غزة المحاصرة المجوعة، حملوا المقاومة الفلسطينية ما يهدم ويدمى. وهم اعلم الناس بعكس ذلك!!! وفي تناقضهم الثاني في ظل العدوان على غزة، منعت المقاومة السلمية في عدد من الدول العربية وفي فلسطين أيضا، فبرأيهم ورغم ما يتعرض له شعبنا من حمم بركانية، وفسفورية وعنقودية. فذلك لا يمكن أن يجابه حتى بمقاومة سلمية، مع العلم أنهم - ذات السذج - طالبوا بالمقاومة السلمية.
تناقض تسميات؛ بالأمس، كانت القضية الفلسطينية بتاريخها وشهرتها وثورتها وعنفوانها تسمى القضية الفلسطينية وكانت رمز النضال وأساس التضحيات العربية والإسلامية، ولتوسيع عمقها الإسلامي والعربي أطلق عليها المثقفون قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وحيث أن القادة فشلوا في حل هذه القضية، وفشلوا بالإطاحة بها وتضييق خناقها، قاموا بتسميتها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكون فلسطين جزء لا يجزأ من الوطن العربي، بقيت ذات الرعشة تصيب من يتململون من العرب والأجانب لأنها ما فتئت تضفي حقيقة الصراع بين المسلمين والعرب مع إسرائيل ولكون الدم الذي يسال يوحد ويخز الضمير، وهم لا يريدون ذلك، خصوصا بعد أن لم يستطيعوا إسكات المقاومة ضد إسرائيل. فأطلقوا عليها أخيرا بقضية الشرق الأوسط لربما ينجحون بمحاولة ضربها عن عمقها العربي، فالشرق الأوسط مكان واسع من هذه المعمورة، صحيح انه يشير إلى منطقتنا العربية بشكل أساس، لكنه ينهي قوميتها وعربيتها وإسلاميتها من الذاكرة. ومع ازدياد التبجح والتواطؤ خصوصا بعد العدوان على غزة، أذكركم بان تسميتها القادمة ستكون القضية الإسرائيلية فقط، انحيازا لما يسمى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحقها في الوجود وليس حق قيام دولة فلسطينية، الم تروا أن كلمة الوطن العربي قليلا ما نسمعها هذه الأيام بالمقارنة مع الماضي؟!!.
تناقضات فكرية؛ "قتلى"، هم ضحايا من أطلق عليهم في صراعنا العربي الإسرائيلي اليهودي كان يطلق عليهم في السابق "شهداء" وللأسف حتى لا يضفى عليهم نوع من القداسة والاحترام والتعاطف والنخوة، أطلقت عليهم بعض أبواق الحكومات العربية التي لا يعرف من يمولها أو يوجهها "قتلى" مساواة بينهم وبين قتلى العدو. بالأمس قرأت خبرا على هذه القناة أن (عملية انتحارية تودي بحياة أربعة جنود أمريكيين في العراق) الخبر واكتبوه يصفون جنود الاحتلال بالضحايا ويصفون منفذ العملية بالانتحاري ومرادف الكلمة للقارئ العادي "الإرهابي" وكاتبو الخبر لا يعترفون بالاحتلال ولا بالمقاومة وحقها في تحرير أرضها معللين ذلك بالموضوعية الإعلامية، وقواعد العمل الصحفي. يبدوا أنهم لم يدرسوا مناهج الانتماء ولا سنن التربية العربية والإسلامية، بل منهاجهم فرق تسد، واطعن من الخلف ولا تهب منية، فالمال عوض لك عن ثقافتك ونخوتك وإخوتك وعروبتك وإسلاميتك وأحلامك النبيلة. ترى ماذا يقولون عمن دخلوا بيوت العراقيين مرات عدة وقتلوا الرجال والنساء واغتصبوا طفلة لم يتجاوز عمرها العشر سنين، هم الآن يدافعون عنهم. إذن هم شركاء معهم في الجريمة، إذن هم أبواق تنطق بالعربية ولا ينتمون ليس لهذه الأمة بل لهذه الإنسانية، لان الإنسانية جمعاء ترفض هذه (الموضوعية).
تناقضات دينية؛ وفي الجانب الآخر، يسارع علماء الدين إلى الخنوع كما أبواق الحكومات لتسقط أفواههم فتاوى بما لم يقدره الله. فالشهيد لا يطلق عليه شهيدا إلا من شهد له الله ورسوله، والتظاهر من اجل المقدسات ومن اجل الضحايا وضد العدوان على مدينة من مدن الإسلام يلهي عن ذكر الله، والعمليات الاستشهادية الفدائية هي انتحارية لا صلة لها بالجهاد، والجهاد صار مرادفا للإرهاب. وأصبح الناس يذودون عنه رغم انه سنام الإسلام، وقادتنا ولاة أمورنا طاعتهم واجبة بما يروه صحيحا، رغم أنهم لا يرون أصلا. واليهود هم أخوة الإنسانية سامحهم الله على ما يفعلون.!!!
غدا؛ سيكونوا جثثا هامدة لفتاواهم، وستكون أجورهم لهيبا يحرق ألسنتهم، والنار مثوى لهم إن ظلوا على ما هم عليه من تجريد للذاكرة والضمير، لان الإسلام أصبح عندهم كالقانون الذي يقدرون له ثغرات يفسروها كما أرادوا. إذن؛ فذودوا عنهم يا مسلمين واعلموا أن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
انتهى
10/2/2009م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق