عبد الستار قاسم
11/نيسان/2009
يخلو الاتهام المصري الذي صدر بحق حزب الله والسيد حسن نصر الله بالذات من الذكاء، وهو لا يستند إلى فهم جيد لسياسة حزب الله، أو يحاول تجنب المعرفة بهذه السياسة. اتهم النظام المصري الحزب بأنه يجند العملاء من أجل إحداث مشاكل أمنية داخلية في مصر بهدف زعزعة النظام، وأعلن عن اعتقال حوالي خمسين شخصا شملتهم دائرة الشك حتى الآن. وقد شنت الصحف المصرية ومختلف وسائل الإعلام القريبة من السلطة حملة شعواء على الحزب، وعلى السيد حسن بالذات، وأسهبت في شرح تبعية الحزب لإيران، واستعمال إيران له لقلقلة الأوضاع في الدول العربية.
مثل هذه الاتهامات لا تشير إلى فهم النظام المصري لاستراتيجية عمل حزب الله، ولا إلى الآليات الموصلة إلى تحقيق الأهداف التي يسعى الحزب لتحقيقها. الحزب لا يتبع سياسة التآمر إطلاقا لا ضد اللبنانيين ولا ضد العرب والمسلمين، ولا حتى ضد الدول الأجنبية مثل أمريكا أو بريطانيا. لم يكن من سياسة الحزب إطلاقا زعزعة الاستقرار في أي دولة إطلاقا، ولم يلجأ لا إلى خلايا سرية ولا إلى تهريب أسلحة في محاولة منه لمد جهات معادية للنظام الحاكم. فقط يلتزم الحزب بمحاربة إسرائيل بكافة الوسائل والأساليب الممكنة وضمن ما يعتبره الحزب شرعيا من زاوية الشرع الإسلامي. إذا قام الحزب مثلا بتهريب أسلحة إلى تشيلي فذلك من أجل عمل قد يقرر القيام به ضد إسرائيل ومصالحها وليس من أجل قلب نظام الحكم في تشيلي أو الانتقام منه؛ وإذا هرب الأسلحة إلى غزة فذلك لدعم الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل وليس للانتقام من النظام في مصر. هذا علما أن الحزب غير معني من الناحية الأساسية بقتال إسرائيل على أراضي دول الغير، وهو يفضل حربها من على الأرض العربية. فقط يمكن أن يفكر الحزب بالقيام بأعمال حربية ضد إسرائيل خارج منطقة المواجهة المباشرة إن هي بادرت وشنت عمليات حربية ضد الحزب. قامت إسرائيل باغتيال الحاج رضوان، عماد مغنية في سوريا، وتبعا لذلك يمكن أن يفكر الحزب بضرب إسرائيل خارج دائرة الجغرافيا المباشرة.
يقول الحزب، كما أورد السيد حسن في خطابه بتاريخ 10/نيسان/2009، أن مشكلته مع إسرائيل متعلقة بالأرض اللبنانية والعدوان على لبنان، وإذا انسحبت إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية، وأصبح العدوان الإسرائيلي على لبنان غير وارد بتاتا فإن الأمور العسكرية سيعاد تقييمها. فقط في هذه النقطة يبقى حزب الله مواريا إلى حد كبير. وحسب دراستي وقدرتي على التحليل، الحزب لن يعيد تقييم وجوده المقاوم ما دامت إسرائيل موجودة. حزب الله يتحدث عن لبنان والأرض اللبنانية لأن الحديث عن وحدة العرب ووحدة الوطن العربي يعتبر الآن من قبل الأنظمة العربية وأعوانها من المنافقين من الموبقات وتدخلا في الشؤون الداخلية، ويشكل مادة خصبة للهجوم على حزب الله وتكثيف الحملات من أجل تشويه صورته. والحزب يرى في الصمت حول تمزق العرب شعوبا ووطنا أفضل من المواجهة على الأقل تحت الظروف القائمة حاليا. والحزب ملتزم عقائديا ووطنيا وقوميا بالقضية الفلسطينية، ومن يظن أن الحزب سيلقي سلاحه الموجه ضد إسرائيل مخطئ تماما، والحزب سيجاهد من أجل البقاء والاستمرار حتى لو وقّع كل الفلسطينيين معاهدات صلح ومحبة مع إسرائيل. لا الحزب ولا السيد حسن يقولان الحقيقة حول هذا الأمر. هما لا يكذبان، لكن عدم قول الحقيقة الآن أكثر نفعا من قولها.
يركز الحزب في الوصول إلى أهدافه بالإعداد والاستعداد والسهر والكد والتعب، والاعتماد على المنهجية العلمية في البحث والتخطيط والتنفيذ، ويعمل دائما على موازنة الأمور بحيث لا تميل القرارات نحو الزيادة أو الطغيان، ولا نحو الزيغ والنقصان. وفي علاقاته مع اللبنانيين والعرب والمسلمين عموما يعتمد الحزب سياسة القدوة. يعمل الحزب بيقظة ووعي ليشكل نموذجا حزبيا وقياديا رياديا في الساحة العربية، وبطريقة لم يعتد عليها العرب من قبل. شعار حزب الله في هذا الأمر هو العمل الدؤوب وفق الأصول والأسس العلمية، وترك الإنجازات تتحدث عن نفسها. ونحن نلاحظ على مدى السنوات بأن حزب الله يفعل كثيرا ويقول قليلا، وأحيانا يقول على قدر الفعل. فم الحزب ليس كبيرا، وكلماته ليست أكبر من حجمه، وتصريحاته ليست أوسع من قدراته، وهو لا يحمل عصا أطول من قامته.
الحزب يدخل إلى قلوب العرب والمسلمين بعمله وقدراته على تحقيق الإنجازات سواء على المستوى الداخلي اللبناني، أو على مستوى المواجهة مع إسرائيل. هو يدرك أن نهج القدوة يحتاج إلى وقت أطول بخاصة في منطقة عربية أفقدتها سياسات الأنظمة الثقة بالأشخاص والأحزاب والسياسات، لكنه يدرك أيضا أن نهج الفهلوة والجعجعة الرنانة لا مستقبل له وسرعان ما ينهار. لقد أثبت الحزب صدقية عالية جدا لدى العدو والصديق، وهو مستمر في نهجه الذي سيقوده إلى مراتب أعلى في النفوس العربية.
الفارق بين النظام المصري وحزب الله في هذه الإشكالية الأخيرة هو الفارق بين أنظمة التضليل والنهج الجديد الذي يتبعه الحزب. أدخل النظام المصري نفسه في اتهامات على نمط جعجعي ضد الحزب لا يستطيع أن يثبتها، بينما جاء رد الحزب على الاتهامات متأنيا وتحليليا ودقيقا. اعترف السيد حسن نصر الله بأنه يعمل على تهريب السلاح إلى غزة، لكنه أكد على مسؤولية مصر في القيام بذات الشيء.
ترى الأنظمة العربية إنجازات الحزب، وكان عدد كبير منها يتمنى لو استطاعت إسرائيل تحطيم عظامه في تموز/2006، وهي تضيق ذرعا الآن به لأنه يساهم مساهمة كبيرة في تغيير أمزجة الناس في المنطقة العربية، وفي إدخال العامل الأخلاقي إلى النشاط السياسي، وفي بث فكر عربي مقاوم جديد، وفي بناء عسكري ومدني جديد، وفي تحقيق عدالة بين الناس الذين يقفون معه ويقدمون التضحيات. حزب الله خطير على الأنظمة العربية لأنه يقدم نموذجا جديدا في الفكر والممارسة، ويقدم معايير أخلاقية لا يمكن لأي أمة أن تنجح بدونها. إنه لا يريد محاربة الأنظمة، لكن يكفي أن يعمل بالشكل السليم لتكون مكروها من قبل الفاسدين. الأمين يكشف عورات الفاسد، والقوي يهزم الضعيف، والشريف يفسد على الخائن ملذاته. ولهذا تحرص الأنظمة العربية باستمرار على الحفر تحت حزب الله، وتنهمك في البحث عن هفوة بسيطة تصدر عنه. خطأ حزب الله الصغير يتحول إلى جبل، وتتجند للتشهير وسائل إعلام عربية عديدة بهدف تحويل أنظار العربي عن الحزب وتمقته. ونحن نرى كم تحرص هذه الأنظمة الضالة على بث الفتنة بين السنة والشيعة، والهدف ليس الحرص على أهل السنة وإنما المحافظة على استمرارها في الحكم.
الحزب ليس معنيا بأسلوب الإسقاط. قد يؤدي الإسقاط إلى كشف عيوب الغير، لكن هذا لا يعني أن المسقط بلا عيوب؛ أما الإنجاز فيشكل القدوة التي تؤدي حتما إلى سقوط الفاشلين.
11/نيسان/2009
يخلو الاتهام المصري الذي صدر بحق حزب الله والسيد حسن نصر الله بالذات من الذكاء، وهو لا يستند إلى فهم جيد لسياسة حزب الله، أو يحاول تجنب المعرفة بهذه السياسة. اتهم النظام المصري الحزب بأنه يجند العملاء من أجل إحداث مشاكل أمنية داخلية في مصر بهدف زعزعة النظام، وأعلن عن اعتقال حوالي خمسين شخصا شملتهم دائرة الشك حتى الآن. وقد شنت الصحف المصرية ومختلف وسائل الإعلام القريبة من السلطة حملة شعواء على الحزب، وعلى السيد حسن بالذات، وأسهبت في شرح تبعية الحزب لإيران، واستعمال إيران له لقلقلة الأوضاع في الدول العربية.
مثل هذه الاتهامات لا تشير إلى فهم النظام المصري لاستراتيجية عمل حزب الله، ولا إلى الآليات الموصلة إلى تحقيق الأهداف التي يسعى الحزب لتحقيقها. الحزب لا يتبع سياسة التآمر إطلاقا لا ضد اللبنانيين ولا ضد العرب والمسلمين، ولا حتى ضد الدول الأجنبية مثل أمريكا أو بريطانيا. لم يكن من سياسة الحزب إطلاقا زعزعة الاستقرار في أي دولة إطلاقا، ولم يلجأ لا إلى خلايا سرية ولا إلى تهريب أسلحة في محاولة منه لمد جهات معادية للنظام الحاكم. فقط يلتزم الحزب بمحاربة إسرائيل بكافة الوسائل والأساليب الممكنة وضمن ما يعتبره الحزب شرعيا من زاوية الشرع الإسلامي. إذا قام الحزب مثلا بتهريب أسلحة إلى تشيلي فذلك من أجل عمل قد يقرر القيام به ضد إسرائيل ومصالحها وليس من أجل قلب نظام الحكم في تشيلي أو الانتقام منه؛ وإذا هرب الأسلحة إلى غزة فذلك لدعم الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل وليس للانتقام من النظام في مصر. هذا علما أن الحزب غير معني من الناحية الأساسية بقتال إسرائيل على أراضي دول الغير، وهو يفضل حربها من على الأرض العربية. فقط يمكن أن يفكر الحزب بالقيام بأعمال حربية ضد إسرائيل خارج منطقة المواجهة المباشرة إن هي بادرت وشنت عمليات حربية ضد الحزب. قامت إسرائيل باغتيال الحاج رضوان، عماد مغنية في سوريا، وتبعا لذلك يمكن أن يفكر الحزب بضرب إسرائيل خارج دائرة الجغرافيا المباشرة.
يقول الحزب، كما أورد السيد حسن في خطابه بتاريخ 10/نيسان/2009، أن مشكلته مع إسرائيل متعلقة بالأرض اللبنانية والعدوان على لبنان، وإذا انسحبت إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية، وأصبح العدوان الإسرائيلي على لبنان غير وارد بتاتا فإن الأمور العسكرية سيعاد تقييمها. فقط في هذه النقطة يبقى حزب الله مواريا إلى حد كبير. وحسب دراستي وقدرتي على التحليل، الحزب لن يعيد تقييم وجوده المقاوم ما دامت إسرائيل موجودة. حزب الله يتحدث عن لبنان والأرض اللبنانية لأن الحديث عن وحدة العرب ووحدة الوطن العربي يعتبر الآن من قبل الأنظمة العربية وأعوانها من المنافقين من الموبقات وتدخلا في الشؤون الداخلية، ويشكل مادة خصبة للهجوم على حزب الله وتكثيف الحملات من أجل تشويه صورته. والحزب يرى في الصمت حول تمزق العرب شعوبا ووطنا أفضل من المواجهة على الأقل تحت الظروف القائمة حاليا. والحزب ملتزم عقائديا ووطنيا وقوميا بالقضية الفلسطينية، ومن يظن أن الحزب سيلقي سلاحه الموجه ضد إسرائيل مخطئ تماما، والحزب سيجاهد من أجل البقاء والاستمرار حتى لو وقّع كل الفلسطينيين معاهدات صلح ومحبة مع إسرائيل. لا الحزب ولا السيد حسن يقولان الحقيقة حول هذا الأمر. هما لا يكذبان، لكن عدم قول الحقيقة الآن أكثر نفعا من قولها.
يركز الحزب في الوصول إلى أهدافه بالإعداد والاستعداد والسهر والكد والتعب، والاعتماد على المنهجية العلمية في البحث والتخطيط والتنفيذ، ويعمل دائما على موازنة الأمور بحيث لا تميل القرارات نحو الزيادة أو الطغيان، ولا نحو الزيغ والنقصان. وفي علاقاته مع اللبنانيين والعرب والمسلمين عموما يعتمد الحزب سياسة القدوة. يعمل الحزب بيقظة ووعي ليشكل نموذجا حزبيا وقياديا رياديا في الساحة العربية، وبطريقة لم يعتد عليها العرب من قبل. شعار حزب الله في هذا الأمر هو العمل الدؤوب وفق الأصول والأسس العلمية، وترك الإنجازات تتحدث عن نفسها. ونحن نلاحظ على مدى السنوات بأن حزب الله يفعل كثيرا ويقول قليلا، وأحيانا يقول على قدر الفعل. فم الحزب ليس كبيرا، وكلماته ليست أكبر من حجمه، وتصريحاته ليست أوسع من قدراته، وهو لا يحمل عصا أطول من قامته.
الحزب يدخل إلى قلوب العرب والمسلمين بعمله وقدراته على تحقيق الإنجازات سواء على المستوى الداخلي اللبناني، أو على مستوى المواجهة مع إسرائيل. هو يدرك أن نهج القدوة يحتاج إلى وقت أطول بخاصة في منطقة عربية أفقدتها سياسات الأنظمة الثقة بالأشخاص والأحزاب والسياسات، لكنه يدرك أيضا أن نهج الفهلوة والجعجعة الرنانة لا مستقبل له وسرعان ما ينهار. لقد أثبت الحزب صدقية عالية جدا لدى العدو والصديق، وهو مستمر في نهجه الذي سيقوده إلى مراتب أعلى في النفوس العربية.
الفارق بين النظام المصري وحزب الله في هذه الإشكالية الأخيرة هو الفارق بين أنظمة التضليل والنهج الجديد الذي يتبعه الحزب. أدخل النظام المصري نفسه في اتهامات على نمط جعجعي ضد الحزب لا يستطيع أن يثبتها، بينما جاء رد الحزب على الاتهامات متأنيا وتحليليا ودقيقا. اعترف السيد حسن نصر الله بأنه يعمل على تهريب السلاح إلى غزة، لكنه أكد على مسؤولية مصر في القيام بذات الشيء.
ترى الأنظمة العربية إنجازات الحزب، وكان عدد كبير منها يتمنى لو استطاعت إسرائيل تحطيم عظامه في تموز/2006، وهي تضيق ذرعا الآن به لأنه يساهم مساهمة كبيرة في تغيير أمزجة الناس في المنطقة العربية، وفي إدخال العامل الأخلاقي إلى النشاط السياسي، وفي بث فكر عربي مقاوم جديد، وفي بناء عسكري ومدني جديد، وفي تحقيق عدالة بين الناس الذين يقفون معه ويقدمون التضحيات. حزب الله خطير على الأنظمة العربية لأنه يقدم نموذجا جديدا في الفكر والممارسة، ويقدم معايير أخلاقية لا يمكن لأي أمة أن تنجح بدونها. إنه لا يريد محاربة الأنظمة، لكن يكفي أن يعمل بالشكل السليم لتكون مكروها من قبل الفاسدين. الأمين يكشف عورات الفاسد، والقوي يهزم الضعيف، والشريف يفسد على الخائن ملذاته. ولهذا تحرص الأنظمة العربية باستمرار على الحفر تحت حزب الله، وتنهمك في البحث عن هفوة بسيطة تصدر عنه. خطأ حزب الله الصغير يتحول إلى جبل، وتتجند للتشهير وسائل إعلام عربية عديدة بهدف تحويل أنظار العربي عن الحزب وتمقته. ونحن نرى كم تحرص هذه الأنظمة الضالة على بث الفتنة بين السنة والشيعة، والهدف ليس الحرص على أهل السنة وإنما المحافظة على استمرارها في الحكم.
الحزب ليس معنيا بأسلوب الإسقاط. قد يؤدي الإسقاط إلى كشف عيوب الغير، لكن هذا لا يعني أن المسقط بلا عيوب؛ أما الإنجاز فيشكل القدوة التي تؤدي حتما إلى سقوط الفاشلين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق