بقلم: محمد أبو علان:
عندما يحتل الشخص موقعاً عاماً فإنه يصبح محط انتقاد أو تأييد من المجتمع الذي هو من جزء من قياداته، وهذا النقد أو التأييد يجب أن لا يوضع في قالب شخصي، ومن هذا المنطلق وهذا الموقف يجب أن يؤخذ رائيي حول موضوع عودة الدكتور "سلام فياض" من عدمه لرئاسة الحكومة الفلسطينية القادمة في حال كان هناك توافق داخلي فلسطيني.
في الأصل أن يكون رئيس الحكومة ومجلس وزرائه انعكاس لإدارة الشعب السياسية في كافة نظم الحكم الديمقراطية، لكن أن تشكل شخصية سياسية لا تتمتع بأغلبية برلمانية، ولها عضوان فقط في المؤسسة التشريعية صاحبة الحق بمنح الحكومة شرعيتها فهذا أمر غير طبيعي ولا يتوافق مع أبسط قواعد اللعبة الديمقراطية والسياسية، وهذا هو الحال لدينا نحن الشعب الفلسطيني، الدكتور"سلام فياض" فازت قائمته الانتخابية "الطريق الثالث" بمقعدين في المجلس التشريعي الفلسطيني الأخير، كُلف لتشكيل حكومة فلسطينية في أعقاب الانقلاب الذي قادته حركة "حماس" في قطاع غزة في حزيران 2007.
وقد يقول البعض إن نشأت هذه الحكومة جاءت في ظروف غير عادية فليس من المنطق أن تطالب بما تحتاجه الحكومة من ثقة في ظروف طبيعية، فهي جاءت في ظل تعطل المؤسسة التشريعية الفلسطينية، وفي أعقاب حالة اقتتال في غزة لا زال الشعب الفلسطيني يعيش ارتداداتها حتى اليوم، وسيبقى تأثيرها لفترة طويلة أخرى حتى لو نجح الحوار وتمت المصالحة الفلسطينية الداخلية.
وهذا التبرير قد يكون مقبول إلى حد ما لمن يريد أن ينأى بنفسه عن السجالات الدائرة على الساحة الفلسطينية حول أي من الحكومتين هي الشرعية، حكومة "فياض" أم حكومة"هنية"، ولكن لا يمكن القبول بفكرة صلاحية "الدكتور "فياض" لرئاسة أية حكومة فلسطينية قادمة تكون نتيجة توافق وطني بعد حوارات القاهرة، وإن أية حكومة فلسطينية قادمة لن يكون النجاح حلفيها ما لم يكن هو برئاستها.
وأصحاب هذا الطرح ينطلقون من ثلاث نقاط رئيسية، وهي تحقيق حكومة "فياض" للأمن في الشارع الفلسطيني وقضائها على ظاهرة الفلتان والفوضى، ونجاحها بفك العزلة الاقتصادية والسياسية التي فرضت على حكومتي "هنية" المتتالتين، كما استطاعت هذه الحكومة تحقيق الإصلاح في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية.
وإن كنا نوافق على النجاح في موضوع الأمن ومحاربة الفلتان، وعلى توفير الأموال لخزينة السلطة وسد مديونيتها المالية، فإن تحقيق الإصلاح في مؤسسات السلطة الوطنية بشقيها المدني والأمني موضوع فيه وجهات نظر حتى من جهات وعناصر من داخل مؤسسات السلطة المدنية والأمنية، وهذه النجاحات التي يروج لها أنصار فكرة "فياض وبس" يتعاملون مع الأمور بصورة مجردة ومعزولة عن كافة الظروف السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي أدت لمثل هذه النجاحات في مسيرة حكومة الدكتور "فياض".
فهذه النجاحات جاءت بالدرجة الأولى نتاج لمواقف سياسية لهذه الحكومة والتي توافقت في مجملها مع شروط اللجنة الرباعية التي رفضتها الحكومة الفلسطينية العاشرة وليس لشخص الدكتور "فياض"، والتي تمثلت بالاعتراف بالاتفاقيات الموقعة والاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف، بالتالي لو التزمت الحكومة الفلسطينية العاشرة بكل هذه الشروط لاستطاعت أن تنجز كل هذه "الإنجازات" التي يتحدث عنها أصحاب فكرة ضرورة عودة الدكتور"فياض" لرئاسة الحكومة القادمة، فالعالم لا يدفع الأموال لاعتبارات شخصية بل هي أموال سياسية تمنح لدعم وتعزيز مواقف معينة تتوافق مع سياسية وشروط المانحين، ومن سيتوافق مع هذه الشروط في المستقبل سيتلقى هذه الأموال بكل تأكيد.
بمعنى آخر تعتبر حكومة الدكتور "فياض" نتاج لواقع سياسي فلسطيني اختلط فيه الحابل بالنابل، وبات الحديث عن صون التشريعات والقوانين وتطبيقها ضربٌ من ضروب الخيال في ظل حجم الدم والدمار الذي زرعته الأطراف المتنازعة على سلطة أحد منا لا يعرف صلاحياتها ولا حدود سيادتها نتيجة السياسيات الإسرائيلية تجاهها، وزوال هذا الواقع الفلسطيني (إن قدر للمصالحة الفلسطينية النجاح) يعني زوال هذه الحالة السياسية التي ترافقت مع هذا الواقع، وعودة الأمور لسياقها الطبيعي في كل ما يتعلق بالحياة السياسية في المجتمع الفلسطيني، ومعالم الحياة الديمقراطية الحقيقية فيه.
moh-abuallan@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق