عريب الرنتاوي الدستور 3/2/2009
ردود الفعل الفلسطينية الرسمية على "مفاجأة" خالد مشعل ، ليست جميعها (ولا معظمها) نابعة من الغيرة على منظمة التحرير والحرص على إدامتها ممثلا شرعيا وحيدا ووطنا معنويا للفلسطينيين ، بل من خشية تبلغ حد "الرعب" على مصائر حملة أختامها وسدنة سرها وأسرارها ، كما أن لـ"الغضبة المضرية" على دعوة مشعل تشكيل "مرجعية بديله" سببا آخر ، يكمن في قناعة من أطلقوها بأن مشعل قارف خطأ يقترب من ضفاف الخطيئة ، وأن أوان اصطياده قد حان ، وفي هذه النقطة بالذات ، وفي ظني أن مشعل أخطأ بالفعل ، ولم يكن موفقا في دعوته ، لا من حيث الشكل والمضمون ولا من حيث زمان الدعوة ومكانها.
نقول ذلك ، ونحن نعرف أن أكثر المتباكين على منظمة التحرير "حُرقةً" هم أنفسهم الذين "حَرَقوا" منظمة التحرير وأجهزوا على مؤسساتها ودوائرها واتحاداتها الشعبية ، وجعلوها هياكل عظمية شاحبة ، لا لون لها ولا حياة ، لا ماء في عروقها المتيسبة ولا دماء...هم أنفسهم الذين يريدون الخلاص من منظمة التحرير ما أن تنتهي من دور "ذكر النحل" ، أي صبيحة اليوم التالي للتوقيع على "صفقة الحل النهائي المنقوصة" ، فهذه المنظمة لم تعد مطلوبة ولا مرغوبة إلا لإنجاز هذه الغاية ، وهذه الغاية وحدها دون سواها.
تصفية منظمة التحرير تجري واقعيا وبصورة متدرجة على يد قيادتها ، والسبب واضح وضوح الشمس ، فأصحاب نظرية "المفاوضات حياة" و" لا بديل عن المفاوضات العبثية سوى المزيد منها" ، يدركون تمام الإدراك أن أية تسوية يسعون في إخراجها إلى دائرة الضوء ، واستعجال إتمامها ، ستقوم على تصفية ملف اللاجئين ، ألم يقل الرئيس عباس نفسه في أحد تصريحاته الفائضة عن الحاجة أن عودة خمسة ملايين لاجئ فلسطيني إلى ديارهم ستعني تدميرا وهذا لن يحصل وغير واقعي أبدا؟ ، فكيف يمكن لمن يريد حلا يستثني اللاجئين ، او يقوم على توطينهم وتعويضهم والبحث عن منافي جديدة لهم ، أن يروقه بقاء منظمة التحرير الفلسطينية ، ككيان يرمز إلى وحدة الشعب في الوطن والشتات ، وهي وحدة ما عادت مطلوبة ، منذ أن أصبحت فلسطين "بقايا الضفة والقطاع" جغرافيا وديمغرافيا.
من يريد حلا على حساب اللاجئين وحقهم في العودة و ـ أو التعويض ، يريد للسلطة أن تبتلع المنظمة وتحل محلها ، هؤلاء يخشون انبعاث منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها وإعادة هيكلتها ، بدلالة أنهم لم يفعلوا طوال عقدين غير الإمعان في تبديد حضورها وتدمير مؤسساتها.
لو كان هؤلاء جادين فعلا في الغيرة على المنظمة والحرص على دورها التمثيلي ، لكانوا سارعوا ، بحماس أو من دونها ، ومنذ سنوات وعقود ، إلى ضخ دماء جديدة في عروقها ، لكانوا أعادوا تشكيل مجلسها الوطني بعد أن أكلته الشيخوخة وبات معظم أعضائه في ذمة الله والتاريخ أو على حافته ، لكانوا فعّلوا دوائرها واتحاداتها الشعبية التي لم نعد نسمع عنها شيئا ، مع أنها هي من خرج قيادات الشعب الفلسطيني ، وبعضها يخرج علينا اليوم بصوت جهوري مدافعا ومنافحا عن جثة المنظمة الهادمة.
هم يريدون المنظمة هيكلا ميتا ، يُستحضر "غبّ الطلب" وفي المراسم وبروتوكولات التوقيع وفي أزمنة المناكفات الداخلية ، هم لا يريدون منظمة تمثل الشعب داخل الوطن وبالأخص خارجه ، لأنهم يريدون للشتات أن لا يكون حاضرا على موائد التفاوض النهائي ، فحضوره محرج وقد يكون معرقلا للمفاوضات العبثية.
هؤلاء في اختطافهم للمنظمة واحتجازهم لدورها وتقزيمه ، إنما ينسجمون أشد الانسجام ، حتى لا نقول يتواطأون مع أطراف إقليمية ودولية ، تريد استبدال السلطة بالمنظمة ، وترك الأخيرة لوظفيفة "ذكر النحل" ، وإلا كيف نفسر أن المنظمة ما زالت على قائمة المنظمات الإرهابية ، ترفع كل ستة أشهر بقرار رئاسي أمريكي ، وكيف نفسر عدم دخول أي من الأطراف الإقليمية والدولية على خط السجال الدائر حول المنظمة والمرجعية و"المفاجأة".
أما عن دعوة خالد مشعل لتشكيل مرجعية بديلة ، فهي ليست متسرعة فحسب وإنما تنم عن عدم إدراك عميق وكاف بالتجربة الفلسطينية التي لم تبدأ بحماس ولا بغزة ، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على تأثر مطلقيها بمناخات اللون الواحد السائد عموما في دمشق وبيروت وطهران ، وانفصالهم الكبير عن معطيات المرحلة السياسية المحيطة بنضال شعب فلسطين ، إقليميا ودوليا ، بدلالة الطريقة الاستعراضية التي قدمت بها الفكرة: "مفاجأة" ، والتراجع السريع عنها قبل أن يجف الحبر الذي كتبت فيه ، والرفض الواسع الذي جوبهت به ، والذي كان بمثابة مفاجأة حقيقة ، بيد أنها من النوع السار والدال على أصالة الشعب وعمق تمسكه بهويته وكيانيته الوطنية ، وعمق إخلاصة لتاريخه وتضيحات أجياله المتعاقبة ، وعمق ارتباطه بممثلة الشرعي الوحيد والذي لا يوازيه ، سوى عمق إصرار على تحريره من أيدي خاطفيه.
ندعو حماس والجهاد إلى رفع شعار استرداد منظمة التحرير وتحريرها من خاطفيها...ندعو فتح إلى وقفة تأمل مع دورها ومكانتها وقيادتها للمنظمة ، فلا يجوز أن تكون الحركة حصان طروادة تمتطيه قيادات من خارجها ، وتنطق باسمها وباسم منظمة التحرير...وندعو الشعبية والديمقراطية إلى رفض دور "الكومبارس" الذي يراد لهما أن يكتفيا به ، وأن يخرجا من حالة "الازدوج" التي يعيشانها: مقاومة وكتائب في غزة ، و"انضباط" للسلطة والحكومة في الضفة ، وهو دور لن تقلل من شأنه انتقادات خجلة هنا وتصريحات متلعثمة هناك.
ردود الفعل الفلسطينية الرسمية على "مفاجأة" خالد مشعل ، ليست جميعها (ولا معظمها) نابعة من الغيرة على منظمة التحرير والحرص على إدامتها ممثلا شرعيا وحيدا ووطنا معنويا للفلسطينيين ، بل من خشية تبلغ حد "الرعب" على مصائر حملة أختامها وسدنة سرها وأسرارها ، كما أن لـ"الغضبة المضرية" على دعوة مشعل تشكيل "مرجعية بديله" سببا آخر ، يكمن في قناعة من أطلقوها بأن مشعل قارف خطأ يقترب من ضفاف الخطيئة ، وأن أوان اصطياده قد حان ، وفي هذه النقطة بالذات ، وفي ظني أن مشعل أخطأ بالفعل ، ولم يكن موفقا في دعوته ، لا من حيث الشكل والمضمون ولا من حيث زمان الدعوة ومكانها.
نقول ذلك ، ونحن نعرف أن أكثر المتباكين على منظمة التحرير "حُرقةً" هم أنفسهم الذين "حَرَقوا" منظمة التحرير وأجهزوا على مؤسساتها ودوائرها واتحاداتها الشعبية ، وجعلوها هياكل عظمية شاحبة ، لا لون لها ولا حياة ، لا ماء في عروقها المتيسبة ولا دماء...هم أنفسهم الذين يريدون الخلاص من منظمة التحرير ما أن تنتهي من دور "ذكر النحل" ، أي صبيحة اليوم التالي للتوقيع على "صفقة الحل النهائي المنقوصة" ، فهذه المنظمة لم تعد مطلوبة ولا مرغوبة إلا لإنجاز هذه الغاية ، وهذه الغاية وحدها دون سواها.
تصفية منظمة التحرير تجري واقعيا وبصورة متدرجة على يد قيادتها ، والسبب واضح وضوح الشمس ، فأصحاب نظرية "المفاوضات حياة" و" لا بديل عن المفاوضات العبثية سوى المزيد منها" ، يدركون تمام الإدراك أن أية تسوية يسعون في إخراجها إلى دائرة الضوء ، واستعجال إتمامها ، ستقوم على تصفية ملف اللاجئين ، ألم يقل الرئيس عباس نفسه في أحد تصريحاته الفائضة عن الحاجة أن عودة خمسة ملايين لاجئ فلسطيني إلى ديارهم ستعني تدميرا وهذا لن يحصل وغير واقعي أبدا؟ ، فكيف يمكن لمن يريد حلا يستثني اللاجئين ، او يقوم على توطينهم وتعويضهم والبحث عن منافي جديدة لهم ، أن يروقه بقاء منظمة التحرير الفلسطينية ، ككيان يرمز إلى وحدة الشعب في الوطن والشتات ، وهي وحدة ما عادت مطلوبة ، منذ أن أصبحت فلسطين "بقايا الضفة والقطاع" جغرافيا وديمغرافيا.
من يريد حلا على حساب اللاجئين وحقهم في العودة و ـ أو التعويض ، يريد للسلطة أن تبتلع المنظمة وتحل محلها ، هؤلاء يخشون انبعاث منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها وإعادة هيكلتها ، بدلالة أنهم لم يفعلوا طوال عقدين غير الإمعان في تبديد حضورها وتدمير مؤسساتها.
لو كان هؤلاء جادين فعلا في الغيرة على المنظمة والحرص على دورها التمثيلي ، لكانوا سارعوا ، بحماس أو من دونها ، ومنذ سنوات وعقود ، إلى ضخ دماء جديدة في عروقها ، لكانوا أعادوا تشكيل مجلسها الوطني بعد أن أكلته الشيخوخة وبات معظم أعضائه في ذمة الله والتاريخ أو على حافته ، لكانوا فعّلوا دوائرها واتحاداتها الشعبية التي لم نعد نسمع عنها شيئا ، مع أنها هي من خرج قيادات الشعب الفلسطيني ، وبعضها يخرج علينا اليوم بصوت جهوري مدافعا ومنافحا عن جثة المنظمة الهادمة.
هم يريدون المنظمة هيكلا ميتا ، يُستحضر "غبّ الطلب" وفي المراسم وبروتوكولات التوقيع وفي أزمنة المناكفات الداخلية ، هم لا يريدون منظمة تمثل الشعب داخل الوطن وبالأخص خارجه ، لأنهم يريدون للشتات أن لا يكون حاضرا على موائد التفاوض النهائي ، فحضوره محرج وقد يكون معرقلا للمفاوضات العبثية.
هؤلاء في اختطافهم للمنظمة واحتجازهم لدورها وتقزيمه ، إنما ينسجمون أشد الانسجام ، حتى لا نقول يتواطأون مع أطراف إقليمية ودولية ، تريد استبدال السلطة بالمنظمة ، وترك الأخيرة لوظفيفة "ذكر النحل" ، وإلا كيف نفسر أن المنظمة ما زالت على قائمة المنظمات الإرهابية ، ترفع كل ستة أشهر بقرار رئاسي أمريكي ، وكيف نفسر عدم دخول أي من الأطراف الإقليمية والدولية على خط السجال الدائر حول المنظمة والمرجعية و"المفاجأة".
أما عن دعوة خالد مشعل لتشكيل مرجعية بديلة ، فهي ليست متسرعة فحسب وإنما تنم عن عدم إدراك عميق وكاف بالتجربة الفلسطينية التي لم تبدأ بحماس ولا بغزة ، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على تأثر مطلقيها بمناخات اللون الواحد السائد عموما في دمشق وبيروت وطهران ، وانفصالهم الكبير عن معطيات المرحلة السياسية المحيطة بنضال شعب فلسطين ، إقليميا ودوليا ، بدلالة الطريقة الاستعراضية التي قدمت بها الفكرة: "مفاجأة" ، والتراجع السريع عنها قبل أن يجف الحبر الذي كتبت فيه ، والرفض الواسع الذي جوبهت به ، والذي كان بمثابة مفاجأة حقيقة ، بيد أنها من النوع السار والدال على أصالة الشعب وعمق تمسكه بهويته وكيانيته الوطنية ، وعمق إخلاصة لتاريخه وتضيحات أجياله المتعاقبة ، وعمق ارتباطه بممثلة الشرعي الوحيد والذي لا يوازيه ، سوى عمق إصرار على تحريره من أيدي خاطفيه.
ندعو حماس والجهاد إلى رفع شعار استرداد منظمة التحرير وتحريرها من خاطفيها...ندعو فتح إلى وقفة تأمل مع دورها ومكانتها وقيادتها للمنظمة ، فلا يجوز أن تكون الحركة حصان طروادة تمتطيه قيادات من خارجها ، وتنطق باسمها وباسم منظمة التحرير...وندعو الشعبية والديمقراطية إلى رفض دور "الكومبارس" الذي يراد لهما أن يكتفيا به ، وأن يخرجا من حالة "الازدوج" التي يعيشانها: مقاومة وكتائب في غزة ، و"انضباط" للسلطة والحكومة في الضفة ، وهو دور لن تقلل من شأنه انتقادات خجلة هنا وتصريحات متلعثمة هناك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق