السبت، 7 فبراير 2009

الموقف الدولي بين "يورج هايدر" وافيغدور ليبرمان"




بقلم: محمد أبو علان:



حزب "الحرية" هو حزب قومي نمساوي عرف عنه تمجيده للحقبة النازية، في عام 2000 شكل "يورج هايدر" زعيم الحزب تحالف مع حزب الشعب بزعامة "وولف جانج" لتكوين حكومة ائتلافية مما سبب ضجة سياسية كبيرة داخل النمسا بشكل خاص وداخل دول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص كون التحالف مع حزب يمجد الحقبة النازية يعتبر خرق للقيم والمبادىء الأوروبية. فقرر زعماء دول الإتحاد الأوروبي ال14 آنذاك وقف كافة أشكال التعاون مع الحكومة الائتلافية في النمسا، وكان الشعور العام عند في أوروبا بأن الحاجز الوقائي ضد أي تحالف مع الأحزاب اليمينية المتطرفة والمعمول به في أوروبا الغربية منذ عام 1945 قد انتهك. وخلال عدة أشهر امتنع الكثير من القادة عن مصافحة أو فتح علاقات اجتماعية مع أعضاء حكومة "هايدر وولف جانج".
في نهاية عام 2000 تنحى "يورج هايدر" عن قيادة الحزب، وفضل أن يتحكم بالحزب من خارج دائرة الضوء، وجعل "سوزان ريس باسر" رئيسة للحزب وزعيمة شكلية. وقد أعلن هايدر بأن تلك الخطوة هي مجرد الوفاء بوعد كان قد أعطاه لناخبي حزبه قبل الانتخابات التي أجريت في العام نفسه، إلا أن هذا التنحي كان في حقيقة الأمر خضوعه للمقاطعة والعقوبات الدولية التي فرضت على "هايدر" والحكومة التي هو جزء منها.
وما جعلني أستذكر هذه الحقبة السياسية النمساوية ما قرأته عن "جيل المستقبل" "لأفيغدور ليبرمان" وحزبه "إسرائيل بيتنا"، فهذا الحزب يجند في صفوفه جيل الشباب وحتى الأطفال الذين هم أقل من (18) عام، وتتم تربيتهم بالدرجة الأولى على القيم العنصرية والفاشية في كيان يدعي بأنه "واحة الديمقراطية" في شرق أوسط قاحل من القيم الديمقراطية والإنسانية.
فإن كان "يورج هايدر" قد أيد حقبة تاريخية ولت وانتهت من عشرات السنين، فإن "ليبرمان" يعمل جاداً على إعادة أفكار تلك الحقبة، ويدعو لممارسات قد تكون أشد وأقسى من تلك التي مارستها النازية، وضد من؟، ضد سكان الأرض الأصليين ولخدمة نظام سياسي لا تبتعد ممارساته ونهجه اليومي عن الممارسات العنصرية والنازية في قتل الأطفال والشيوخ والنساء والدعوة للتهجير والترانسفير لكل ما هو غير يهودي في هذه البلاد.
ففي اللقاءات الانتخابية لحزب "إسرائيل بيتنا" ترى جماهير أعمارها من (16-18) عام يرددون شعاران رئيسان لحملة "ليبرمان" الانتخابية أحدها "لا مواطنة بدون إخلاص" والمقصود بهذا الشعار طبعاً المواطنين العرب في المناطق المحتلة في العام 1948، وثاني هذه الشعارات "الموت للعرب"، وهذا الحزب اليمني بات يشكل القوة السياسية الثالثة في الكيان الإسرائيلي بعد أن ضاعف قوته وجماهيريته عما كانت في الانتخابات السابقة في العام 2003، ومن يتابع تقدمه في استطلاعات الرأي العام يدرك بان صناديق الاقتراع ربما ستجلب له مقاعد أكثر مما تظهرة الاستطلاعات.
كل هذا التطرف وهذه العنصرية ودعوات الترانسفير التي يوجهها هذا الحزب ضد مواطني الأرض الأصليين لصالح توطين مهاجرين تم جمعهم من شتى بقاع الأرض لبناء دولة استيطانية على أنقاض شعب آخر يتم تحت ناظري العالم "الحر" وصمت سياسية المطبق، لا بل أكثر من ذلك يحرص معظم قادة الاتحاد الأوروبي الذين يزورون الكيان الإسرائيلي على عقد اللقاءات السياسية مع قائد حزب "إسرائيل بيتنا" وكان من ابرز القادة الأوروبيين في هذا المجال هو "خافيير سولانا".
والملاحظة الهامة في هذا المجال أن اليمنية والعنصرية لم تعد ثقافة الشارع الإسرائيلي وسياسية بل باتت مناهج وثقافة تدرس في المدارس والمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، مما يعني أن ما نراه ونعيشه من العنصرية الإسرائيلية هذه الأيام هو أقل مما هو قادم على الرغم من بشاعتها الحالية، فحزب "ليبرمان" بات يحظى بجماهيرية بين طلبة المدارس الثانوية بالدرجة الأولى والكليات والجامعات الإسرائيلية، وهؤلاء هم من سيشكلون قادة المستقبل إن قدر لهذا الكيان البقاء لمدة أطول، ففي انتخابات تجريبية تمت في عدد من المدارس الثانوية الإسرائيلية كان حزب "ليبرمان" بالمرتبة الأولى حيث حصل على ما نسبته 19.67% تاركاً ورائه الليكود ب 19.5% والعمل 15.85% و"كديما" ب 14.11%.
وحتى موضوع الديمقراطية وقيمها بات لها فهم مختلف في نظر وعقول الجيل الشباب في الكيان الإسرائيلي، ومرد هذا الفهم الخاص للديمقراطية وقيمها هو "وجود المواطنين العرب المعادين للدولة، وبسبهم لا يمكن أن تكون ديمقراطية كاملة في هذه الدولة" حسب حديث احد انصار "ليبرمان"، وتابع هؤلاء الأنصار بالقول "سئمنا من هذه الديمقراطية اليسارية، الدولة باتت بحاجة لنوع من الدكتاتورية، وبحاجة لمن يعيد ترتيب الأمور في هذه الدولة، وليبرمان فقط هو من يقول الحقيقية".
في ظل هذا التنامي للعنصرية في الشارع السياسي الإسرائيلي هل سيكون بمقدور "الاتحاد الأوروبي" وغيره من منظومة العالم "الحر" بالوقوف في وجه ليبرمان بشكل عام وبوجه الكيان الإسرائيلي كما الأمر مع حزب "الحرية" النمساوي وزعيمه في حينه "يورج هايدر" لحين اجتثاث العنصرية والفاشية من حايتها السياسية؟، واعترافها بحق الشعب الفلسطيني في الحياة في دولة مستقلة كاملة السيادة.
وهل بإمكانهم مقاطعة أية حكومة إسرائيلية تشكل بالتحالف مع حزب "إسرائيل بيتنا" بعد انتخابات العاشر من شباط القادمة؟، هذا تساؤل نطرحه ونحن موقنون لإجابته سلفاً، فهذا أمر لا ولن يكون لسبب رئيسي واحد وهو أن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يؤمن بها "الاتحاد الأوروبي" تحمل أكثر من مفهوم وأكثر من معنى عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي وممارساته، فالضحية تصبح متهمة والمجرم هو البريء، والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال باتت إرهاباً، وإرهاب الاحتلال ومجازره تعتبر حالة دفاع عن النفس!!!.
وأوضح صورة تجلت فيها عدم الحيادية الأوروبية وعدم النزاهة كان موقفها تجاه الشعب الفلسطيني وخياره الديمقراطي في أعقاب الانتخابات التشريعية الثانية في العام 2006، مع العلم أنه لا يوجد وجه شبه أو إمكانية المقارنة أو المساواة بين عنصرية شعب مُحتل وشعب يخوض نضالاً مشروعاً ضد الاحتلال منذ ستون عاماً، ولا بين حركة تحرر وطني وبين أحزاب عنصرية تغتصب الأرض وتقتل الإنسان وتدمر الشجر والحجر كما هي كافة الأحزاب الإسرائيلية التي لا تبتعد عن مواقف وأفكار "ليبرمان" وإنما تختلف معه في الأسلوب فقط.
moh-abuallan@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: