بقلم: محمد أبو علان:
لم يُقدر لي مشاهدة فيلم "المر والرمان" للروائية والمخرجة الفلسطينية "نحوى النجار"، ففي بلادنا إن لم تكن من سكان مدينة رام الله أو عاملاً فيها فلن يكون بمقدورك أن تشاهد ما يعرض من أفلام أو ما يقام من معارض وأنشطة ثقافية، فالكتاب والأدباء والفنانين والمؤسسات الأهلية الرسمية اختصرت الوطن كله بمدينة رام الله وحصرت بها معظم أنشطتها.
ولكن كان بمقدوري قراءة ما كتب من تعليقات وانتقادات حول هذا الفليم والتي تجسدت في معظمها حول كسر الفليم لهالةٍ محاطة بها زوجة الأسير الفلسطيني، بالإضافة لبعده عن الواقع الفلسطيني على حد تعبير الفنان المسرحي والمدرب الموسيقي "عمر الجلاد" بقوله: "الفيلم اظهر أن زوجة الأسير تجاوبت مع محاولات الاستدراج العاطفي، وهذا غير حقيقي، بل بعيد عن الحقيقة في المجتمع الفلسطيني لان زوجة الأسير تحظى بالمحبة والعناية والحماية من كافة أفراد المجتمع".
"عنان حسين" الشاب الذي مثل في الفيلم أعرب كذلك عن نقده للفيلم بقوله: "الفيلم لم يعط زوجة الأسير الفلسطيني حقها، وان كانت قصة الفيلم تحدثت عن شخصية واحدة اسمها قمر، لكنه يتحدث عن ألاف المعتقلين الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية ، وهذا غير عادل".
هذه الانتقادات للفيلم جاءت من باب كسره لهالة من الهالات التي أحاط بها الشعب الفلسطيني بعض الشرائح في المجتمع، وهنا يدور الحديث عن شريحة الأسرى التي تحظى باهتمام الجميع بغض النظر عن مشاربهم السياسية ومعتقداتهم الفكرية.
ولكن وفق ما قرأت من تفاصيل حول هذا الفيلم لم يتعرض الفيلم لقضية الأسرى، بل محور الحديث كان زوجة أسير يقبع في السجون الإسرائيلية أقامت علاقة عاطفية مع مدرب الفرقة الموسيقية التي تمارس فن الرقص فيها، وقراءة هذه العلاقة فسرت أنها نتاج لفراغ عاطفي تعيشه زوجة الأسير الفلسطيني التي حاولت تعويضه من خلال علاقتها مع مدرب الفرقة.
وهذا السلوك المرفوض دينياً واجتماعياً، ولا يتناسب مع عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني حصل ويمكن أن يحصل مع أية امرأة سواء كانت زوجة أسير أو غفير أو وزير، ولكن ردة الفعل جاءت لكون زوجة الأسير هي من قامت بمثل هذا العمل.
والسؤال المطروح على كل من أثاروا الضجة ووجهوا النقد لهذا الفيلم، هل لو كنت "قمر" زوجة الأسير زوجة لسائق مركبة يتركها لأيام وأسابيع، أو زوجة رجل مغترب لسنوات لغرض العمل أو الدراسة أو لأي ظرفٍ كان هل كانت الضجة هذه ستثار ويوجه النقد بهذا الشكل للفيلم؟، بالتأكيد لا، ولسبب واحد ووحيد هو أن المنتقدين لم يوجهوا نقدهم للفكرة من حيث المبدأ (العلاقات غير المشروعة) كونها تتعارض مع القيم الاجتماعية والدينية لمجتمعنا، بل وجهوا النقد كون الفيلم تعرض لواقع زوجة أسير.
فالمرأة هي نفسها المرأة، والرجل هو نفسه الرجل، فما حصل مع "قمر" يمكن أن يحصل مع أية امرأة في هذا الكون بغض النظر عن عادات مجتمعها وقيمها، وبغض النظر عمن كان زوجها، وكذلك الأمر غير متعلق بالمرأة لوحدها فالرجل يمكن أن يمارس نفس الأسلوب في سد الفراغ العاطفي دون النظر للقيم الاجتماعية والدينية للمجتمع، وهذا يحصل بالفعل، فالحديث لم يدر عن أمور في الخيال بل أمور وحالات معاشة في واقع الحياة اليومية لمجتمعنا وغيره من المجتمعات.
كما يجب علينا التخلي عن منطق الهالات والتقديس لبعض الشرائح الاجتماعية دون غيرها رغم أهميتها ودورها سواء كان على المستوى الوطني أو المستوى الاجتماعي، فلا يجوز الاعتقاد بأن هناك نوع من البشر معصوم عن الخطأ أو حتى الخطيئة، فإن كانت "قمر" تبحث عن سد فراغ عاطفي تعيش فيه فهذا لا يعني أن الفيلم قد قصد التعميم، وعدم تتطرق الفيلم لهذه القضية لا يعني عدم وجود مثل هذه الحالات، فالأصل في نقاش الأمور أن يكون من حيث المبدأ وليس من باب الدفاع عن شريحة دون غيرها، فلو عرض فيلم "المر والرمان" مجموعة من الأسرى المرتبطين مع الاحتلال هل كان سيفهم الأمر بان المستهدف كافة الأسرى؟، فكل شريحة اجتماعية أو مجموعة سياسية سنجد في صفوفها من هم جيدين ومن هم غير جيدين، والصورة المشرقة لكل شريحة مهما كانت تؤخذ من الأخيار فيها لا من المنحرفين.
وقد يكون لإثارة هذه القضية جانب إيجابي وهو لفت نظر المختصين وأصحاب القرار لقضية اجتماعية في غاية الأهمية وهي الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والنفسية لأسر الأسرى والشهداء الفلسطينيين عبر مؤسسات مختصة في هذا المجال، وعدم حصر الدعم والمساندة في مخصصات مالية مع نهاية كل شهر فقط.
moh-abuallan@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق