بقلم:محمد أبو علان:
ساسة دولة الاحتلال وعسكرها تعلموا درساً من عدوانهم على لبنان في تموز 2006 بعدم الإعلان عن أهداف صريحة وواضحة وقابلة للقياس في حروبهم وعملياتهم العسكرية، وهذا الدرس عكس نفسه بوضوح على أهداف الحرب على غزة هذه الأيام، فمن "سحق حكم حماس في قطاع غزة" تغير الهدف ليصبح " تغير الواقع الأمني في الجنوب"، مضافاً عليه منع تسلح حركة حماس، وكأن حركة حماس ستطلب الإذن إن هي أرادة التسلح، وهذه الأهداف المُعلنة لهذه الحرب تترك الباب مفتوح أمام قادة الاحتلال بسياسيه وعسكرييه بإعلان النصر على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية بالشكل الذي يريدون، بالتالي قد يكون اتفاق هدنة جديد بمثابة نصر في أعين هؤلاء الساسة والعسكر.
ومع مرور الأيام على هذا العدوان الذي امتاز في مجازره ضد الأطفال والنساء والشيوخ، وضد المؤسسات الفلسطينية الحكومية والأهلية والمدنية وبشكل غير مسبوق لم يستطع قادة الاحتلال تقديم ولو صورة جزئية عن تحقيق هدف عسكري واحد حقيقي لهذه الحرب غير المذابح والمجازر والدمار الذي زرع في شوارع وأزقة قطاع غزة وفي مدارسها ومساجدها، ناهيك عن استمرار المقاومة الفلسطينية في إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية وبشكل يومي رغم الدخول البري لقوات الاحتلال إلى مدن ومخيمات قطاع غزة وتجزئته لأجزاء ثلاثة في هذه المرحلة، مما يشير إلى الفشل العسكري في هذه الحرب رغم كبر حجم الدمار والقتل بين المدنيين.
هذا الوضع زاد في تعقيد الأمر لقادة الاحتلال وأدخلهم في أجواء متوترة أقرب ما أن تنفجر سياسياً في وجوههم وهم على أبواب الانتخابات للكنيست الإسرائيلية الثامنة عشر، وبعد أن بدء جيش الاحتلال الاعتراف التدريجي بحجم خسائره في قطاع غزة والذي يحاول التغطية عليها بأخطاء داخلية في صفوف الجيش لكي لا يعترف بقوة وصمود المقاومة الفلسطينية رغم عدم التكافؤ في القوة والإمكانيات.
ومقابل هذا الواقع بات الوسط السياسي والإعلامي منشغل بالحصول على صورة النصر في قطاع غزة وماهية هذه الصورة التي ستكون الدليل القاطع على نصرهم على المقاومة في قطاع غزة، وربما تكون قادرة على إخراجهم من الواقع الحالي، وهناك تباين بين الإعلاميين والسياسيين في هذا الشأن، "جادي سوكيني" مقدم الأخبار في القناة العاشرة الإسرائيلية تساءل إن كان " صورة اعتقال إسماعيل هنيه وجلبه حياً كافية لإعلان النصر على المقاومة هناك"، أم "رؤية مقاتلي كتائب القسام يخرجون بملابسهم الداخلية ورافعي الأيدي تشكل علامة نصر للإسرائيليين.
"روت يرون" شغلت في السابق مهمة الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي رفضت اعتبار مثل هذه الصور كتعبير عن نصر عسكري إسرائيلي في قطاع غزة قائلة :" لا يمكن اعتبار صور مذلة للعدو مؤشرات نصر"، مؤكدة ضرورة "أن تكون الصورة تمثل نجاحات عسكرية وميدانية حقيقية"، القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك ذهب لأبعد من هذا ويرى بصورة الجندي الإسرائيلي الأسير "جلعاد شاليط" وهو يحتضن والدته كصورة نصر حقيقية.
وهذا الأمر الذي يشغل ذهن السياسيين والإعلاميين يشير لبدء تبلور رأي عام بأن هذه الحرب التي شنت على قطاع غزة لن تحقق المُعلن والمخفي من أهدافها كونها أهداف لم تكن واضحة وليست قابلة للقياس بالمفاهيم العسكرية ولا حتى السياسية، فبات السعي لنصر شكلي في هذه المعركة يكون إعلامي أكثر من كونه عسكري هدف إسرائيلي.
ارتكاب المجازر وقتل الأطفال والنساء وهم نيام في بيوتهم لن تساعد دولة الاحتلال في القضاء على المقاومة ولا حتى على وقف إطلاق الصواريخ، وهذا ما يعبر عنه الكثير من الساسة الإسرائيليين، "حاييم مرون" من حركة ميرتس قال" لا نستطيع الاستمرار بالمعركة حتى نصل لآخر صاروخ لدى حماس، والحل يكون باتفاق على وقف إطلاق النار برعاية وحماية دولية"،بمعنى آخر يريدون في دولة الاحتلال قرار من مجلس الأمن الدولي كما كان في عدوان 2006 على لبنان ولكن في الوقت الذي يختارونه هم، ولزرع اكبر قدر من الرعب في صفوف الشعب الفلسطيني، وارتكاب الحد الأقصى الممكن من المجازر ضد المدنيين وتوسيع رقعة الدمار في غزة بالحد الأقصى.
فإن كان القتل والدمار هو من علامات النصر وفق أخلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي (وبالتأكيد هي كذلك أخلاقه) فيكونوا قد حققوا النصر علينا بامتياز، أما إن كان الاحتلال يسعى لصورة نصر تمثل القضاء على المقاومة فلن يستطيع الحصول على هذه الصورة لو استمر في مجازره أسابيع وشهور أخرى كون المقاومة الفلسطينية ليست مبنى يهدم وانتهى الأمر، وقد تتراجع المقاومة لفترة زمنية، وقد يخمد نيرانها اتفاق دولي تحت تأثير شلال الدم الفلسطيني النازف، ولكن بكل تأكيد لن يكون مثل الاتفاق كتاب منزل، وسيأتي اليوم الذي تستعيد المقاومة عافيتها.
moh_abualan@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق